نبوة عيسى ومعجزاته
عيسى بن مريم عليه السلام هو واحد من أعظم الأنبياء الذين بعثهم الله لهداية البشرية. وردت قصته في القرآن الكريم والإنجيل على حد سواء، حيث تميزت حياته بالمعجزات التي أيده الله بها لتكون برهانًا على صدق نبوته ودليلًا على قدرة الله المطلقة. وُلد عليه السلام في ظروف استثنائية جعلت منه شخصية فريدة في التاريخ الإنساني والديني.
مولده المعجز
ولد عيسى عليه السلام من دون أب، وهي معجزة إلهية تدل على قدرة الله الخالقة. قال تعالى: "إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ ۖ خَلَقَهُۥ مِن تُرَابٍۢ ثُمَّ قَالَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ" (آل عمران: 59). حين حملت مريم العذراء به، أثار ذلك دهشة قومها واتهامهم لها، لكنها أُمرت بالصمت وترك الدفاع عنها لمعجزة أخرى: تحدث عيسى في المهد.
كلامه في المهد
كانت أولى معجزاته حديثه وهو رضيع في المهد، حيث دافع عن أمه وبرّأها من التهم. قال تعالى: "فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي ٱلْمَهْدِ صَبِيًّا قَالَ إِنِّي عَبْدُ ٱللَّهِ ءَاتَىٰنِىَ ٱلْكِتَـٰبَ وَجَعَلَنِى نَبِيًّا" (مريم: 29-30). كانت هذه المعجزة دليلًا قويًا على أن الله أرسله نبيًا مختارًا.
دعوته ورسالته
بعث الله عيسى عليه السلام إلى بني إسرائيل، الذين كانوا قد انحرفوا عن طريق الحق. جاءت رسالته مكملة لشريعة موسى عليه السلام، ودعا قومه إلى عبادة الله وحده. يقول الله: "وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ أَنِّى قَدْ جِئْتُكُم بِـَٔايَةٍۢ مِّن رَّبِّكُمْ" (آل عمران: 49).
كان عيسى يذكّرهم بتعاليم التوراة الصحيحة، وينذرهم بالعذاب إن استمروا في معصيتهم. ومن رحمته عليهم أنه أتى بمعجزات عظيمة تدل على صدق نبوته.
معجزاته
كانت معجزات عيسى عليه السلام متنوعة ومباشرة في تأثيرها، وكلها كانت بإذن الله، مما يرسّخ فكرة أنه عبد لله وليس إلهًا. ومن أبرز معجزاته:
إحياء الموتى: كان عيسى عليه السلام يحيي الموتى بأمر الله. وقد ورد في القرآن: "وَأُحْيِ ٱلْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ ٱللَّهِ" (آل عمران: 49). كانت هذه المعجزة برهانًا واضحًا على قدرة الله التي لا تحدها حدود.
شفاء المرضى: عالج عيسى عليه السلام المرضى الذين استعصى شفاؤهم، مثل الأكمه (فاقد البصر منذ الولادة) والأبرص. قال تعالى: "وَأُبْرِئُ ٱلْأَكْمَهَ وَٱلْأَبْرَصَ" (آل عمران: 49).
إنزال مائدة من السماء: عندما طلب الحواريون مائدة من السماء، دعا عيسى عليه السلام ربه، فأنزل الله لهم مائدة. قال تعالى: "قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ ٱللَّهُمَّ رَبَّنَآ أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةًۭ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَءَاخِرِنَا" (المائدة: 114).
خلق طير من الطين: كان يصنع من الطين شكل طير ثم ينفخ فيه فيصبح طيرًا حيًا بإذن الله. يقول تعالى: "وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ ٱلطِّينِ كَهَيْـَٔةِ ٱلطَّيْرِ فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًۭا بِإِذْنِى" (المائدة: 110).
إخباره بما يخبئ الناس: كان عيسى عليه السلام يخبر قومه بما يدخرونه في بيوتهم وما يأكلونه. قال تعالى: "وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِى بُيُوتِكُمْ" (آل عمران: 49).
رفعه إلى السماء
بعد أن اشتد كيد بني إسرائيل لعيسى عليه السلام، أرادوا قتله وصلبه. لكن الله سبحانه وتعالى أنجاه ورفعه إلى السماء. يقول تعالى: "وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ" (النساء: 157). وبهذا حفظ الله نبيه من أيدي الظالمين.
مكانته في الإسلام
يحتل عيسى عليه السلام مكانة عظيمة في الإسلام. فهو نبي كريم ورسول عظيم أرسله الله لهداية بني إسرائيل. يؤمن المسلمون بأنه عبد الله ورسوله، وليس إلهًا كما يعتقد البعض. وهو واحد من أولي العزم من الرسل، الذين تميزوا بثباتهم وعظيم رسالاتهم.
كما يبشر القرآن الكريم بعودته في آخر الزمان ليكون شاهدًا على الحق ولينفي الافتراءات التي حيكت حوله. قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا عدلًا."
خاتمة
كانت نبوة عيسى عليه السلام مليئة بالآيات والدروس التي تعكس قدرة الله وحكمته. معجزاته كانت دلائل قوية على صدق رسالته ودعوة الناس إلى عبادة الله الواحد. يبقى عيسى عليه السلام مثالًا للثبات على الحق والتفاني في دعوة الناس إلى الخير، وهو رمز للتوحيد والعدل في الإسلام.
تعليقات
إرسال تعليق