قصة صاحب الجنتين: دروس وعبر من القرآن الكريم
قصة صاحب الجنتين هي إحدى القصص القرآنية التي تحمل في طياتها العديد من العبر والدروس التي تفيدنا في حياتنا اليومية. وردت هذه القصة في سورة الكهف، حيث يسرد الله عز وجل قصة رجلين أحدهما كان غنيًا ممتلكًا لجنتين من البساتين المثمرة، والآخر فقيرًا ولكنه كان صاحب إيمان قوي بالله. تركز القصة على الحوار الذي دار بينهما وكيف كانت عاقبة كل منهما، مشيرة إلى الفرق بين الغرور بالإمكانات الدنيوية والتواضع والشكر لله.
القصة كما وردت في القرآن
يصف القرآن الكريم في بداية القصة أن أحد الرجلين كان يمتلك جنتين جميلتين مزروعتين بالنخيل والأعناب، وبينهما زروع أخرى تكمل جمالهما. لم تكن الجنتان مجرد منظر جميل، بل كانتا تعطيان محصولًا وفيرًا دون نقصان، وكان الماء يسقيهما بانتظام من خلال نهر جارٍ.
أما الرجل الآخر، فلم يكن يملك مثل هذه الثروات، لكنه كان قوي الإيمان بالله. وفي الحوار الذي دار بينهما، بدأ صاحب الجنتين بالتفاخر بثروته قائلاً:
"أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا" (الكهف: 34).
هذا القول يعبر عن نظرة الغني إلى نفسه على أنه أفضل وأعلى منزلة من الفقير بسبب ما يملكه من أموال وأفراد يعينونه.
الغرور والغفلة عن الله
لم يقتصر غرور صاحب الجنتين على التفاخر، بل زاد الأمر بأن أظهر شكوكه في يوم القيامة، قائلاً:
"وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا" (الكهف: 36).
كان هذا الكلام دليلاً على غفلته عن قدرة الله وإنكاره لحقيقة يوم القيامة.
أما الرجل المؤمن، فقد رد عليه بتحذير عميق، حيث ذكره بأصل الإنسان وكيف أن الله هو الذي أعطى كل شيء. وقال له:
"لَّٰكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا" (الكهف: 38).
ثم أضاف:
"وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ" (الكهف: 39).
عاقبة الغرور
لم يكن صاحب الجنتين يتوقع ما سيحدث لجنتيه. ففي لحظة من اللحظات، أرسل الله على الجنتين بلاءً جعلها خرابًا كاملاً. تحولت الجنتان، اللتان كانتا تزخران بالثمار، إلى أرض قاحلة لا حياة فيها.
حينها، أدرك صاحب الجنتين خطأه وندم على غروره، لكنه كان قد فات الأوان لإصلاح ما فعله. قال تعالى:
"وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا" (الكهف: 42).
الدروس المستفادة
الشكر والاعتراف بنعم الله: القصة تؤكد أهمية شكر الله على نعمه وعدم الغرور بها. فالثروات والممتلكات هي ابتلاء من الله، وعليه يجب أن نستخدمها بما يرضيه.
الإيمان بالله والتواضع: الإيمان بالله يجعل الإنسان متواضعًا، يدرك أن كل ما يملكه هو من فضل الله وليس من عمله وحده.
اليقين بيوم القيامة: تذكير بأن الحياة الدنيا زائلة، وأن يوم القيامة هو الحقيقة التي لا بد منها.
الابتعاد عن الشرك: صاحب الجنتين أشرك بنفسه وقدرته مع الله، وهذا ما أدى إلى هلاكه.
التفكر في عاقبة الأمور: القصة تعلمنا أن ننظر إلى المستقبل بعين الحكمة وألا نغتر بالحاضر.
ختامًا
قصة صاحب الجنتين ليست مجرد سرد قصصي، بل هي درس عملي يدعونا إلى مراجعة حياتنا، والتفكر في نعم الله علينا، والابتعاد عن الغرور والاعتزاز الزائد بالنفس. إن الحياة الدنيا لا تدوم، وكل ما فيها زائل، ويبقى وجه الله. علينا أن نستثمر حياتنا في عمل الخير، وأن نحمد الله في السراء والضراء، كي نكون من الفائزين في الدنيا والآخرة.
تعليقات
إرسال تعليق