سعد بن أبي وقاص: فارس الإسلام وبطل القادسية
مقدمة
يعد سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أحد أعظم الصحابة الذين حملوا راية الإسلام وأبلوا بلاءً حسنًا في نشره والدفاع عنه. فهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد السابقين إلى الإسلام، وقائد معركة القادسية التي فتحت أبواب بلاد فارس أمام المسلمين. لقد كان نموذجًا في الشجاعة، والحكمة، والولاء للنبي محمد صلى الله عليه وسلم.
نسبه ونشأته
اسمه الكامل هو سعد بن مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري. وُلِد في مكة ونشأ في بيئة قريشية نبيلة. ينتمي إلى بني زهرة، وهي القبيلة التي تنتمي إليها والدة النبي محمد، آمنة بنت وهب، مما جعله قريبًا للنبي من جهة الأم.
إسلامه ومكانته عند النبي
كان سعد بن أبي وقاص من أوائل الذين دخلوا الإسلام، إذ أسلم وهو في السابعة عشرة من عمره، وكان ثالث من أسلم بعد أبي بكر الصديق وعلي بن أبي طالب وزيد بن حارثة. لقي سعد معاناة كبيرة بسبب إسلامه، حتى أن والدته حاولت أن ترده عن الإسلام بالإضراب عن الطعام، لكنه ثبت على دينه وقال لها مقولته الشهيرة: "والله لو كان لكِ مئة نفس فخرجت نفسًا نفسًا ما تركت ديني".
نال سعد مكانة عظيمة عند النبي صلى الله عليه وسلم، وكان النبي يحبه ويدعو له. قال له يومًا: "اللهم استجب لسعد إذا دعاك"، فكانت دعوته مستجابة. كما أنه كان أول من رمى بسهم في سبيل الله.
دوره في الفتوحات الإسلامية
كان سعد قائدًا عسكريًا بارعًا، حيث تولى قيادة جيوش المسلمين في معركة القادسية عام 15هـ ضد الفرس. كانت هذه المعركة فاصلة في تاريخ الإسلام، إذ انتصر المسلمون بقيادته رغم قلة عددهم وضعف إمكانياتهم مقارنة بجيوش الفرس الضخمة. كانت المعركة نقطة تحول أدت إلى فتح العراق وبلاد فارس لاحقًا.
لم يقتصر دوره على القادسية فقط، بل كان له دور كبير في فتح المدائن، عاصمة الفرس، حيث دخلها المسلمون وانتزعوا تاج كسرى وكنوزه.
زهده وورعه
كان سعد معروفًا بالزهد والورع، فلم يكن يسعى للسلطة أو الجاه، بل كان حريصًا على العدل والحق. وعندما وُلي إمارة الكوفة، اشتكى منه بعض الناس إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فاستدعاه عمر وسأله عن شكواهم، فدافع سعد عن نفسه وقال: "والله ما أنا بخب ولا الخب يخدعني"، فأثنى عليه عمر وعزله درءًا للفتنة.
وفاته
عاش سعد حتى بلغ الثمانين من عمره، وقضى آخر أيامه في العزلة في قصره بالعقيق قرب المدينة المنورة. توفي سنة 55هـ، وكان آخر العشرة المبشرين بالجنة وفاةً. وقد أوصى بأن يُدفن في بردته التي كان يرتديها يوم بدر.
خاتمة
يظل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه نموذجًا خالدًا في التاريخ الإسلامي، رجلًا اجتمع فيه الإيمان العميق، والشجاعة النادرة، والحكمة الفذة. كان فارسًا لا يهاب، وقائدًا لا يُهزم، وزاهدًا لا تغريه الدنيا. فرحمه الله وجزاه عن الإسلام خير الجزاء.
تعليقات
إرسال تعليق